خلفية سريعة

تمر مصر – كما أغلب دول العالم - حالياً بفترة تتحول فيها سياستها النقدية من التشديد إلى التيسير.

على مدى السنوات الثلاث الماضية، وتحديدا منذ تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية والتي توافقت مع بدء انحسار أزمة كوفيد، أخذ البنك المركزي المصري على عاتقه، وهو محق في ذلك، مهمة خفض التضخم.

الجنيه والتضخم

وجاء هذا بعد انخفاض قيمة الجنيه المصري - الذي كان لابد منه لمواجهة الأزمات المتتالية: كوفيد + الحرب - والتي أدت لهروب الأموال الساخنة التي كانت ولا تزال تعتمد مصر عليها بشكل كبير في التمويل. ودفع خفض قيمة العملة المحلية التضخم السنوي في المدن المصرية إلى مستوى قياسي بلغ 38% في سبتمبر 2023.

فقد الجنيه المصري حوالي 70% من قيمته مقابل الدولار الأمريكي، حيث هبط من 15.7 جنيه للدولار بنهاية عام 2021 إلى 50.8 جنيه للدولار بنهاية عام 2024. ولكن معظم الانخفاض خلال الثلاثة أعوام جاء في الربع الأول من 2024 عندما تم خفض الجنيه من 30.9 جنيه إلى 49.5 جنيه أمام الدولار يوم 6 مارس.

التضخم والكوريدور

لكن حاليا ومع انخفاض معدل التضخم السنوي في المدن إلى مستويات أقل، حيث بلغ 13.6% في مارس 2025، يرى البنك المركزي المصري أن الوقت قد آن لخفض أسعار الفائدة إلى مستويات أكثر طبيعية.

تاريخياً، كان الكوريدور، أو سعري الإيداع والإقراض لليلة واحدة، يدور حول 8.25-9.25% بنهاية 2021 قبل أن يبدأ البنك المركزي المصري التشديد في سياسته النقدية خلال 2022 و2023 و2024 حيث قام برفع أسعار الفائدة بما مجموعه 8% و3% ثم 8% مرة أخرى على التوالي.

وكان أكبر رفع في تاريخ البنك المركزي في مرة واحدة هو 6% يوم 6 مارس 2024 عندما قرر معه خفض قيمة الجنيه المصري ليبلغ الكوريدور 27.25 - 28.25% حتى قرر مؤخراً تغيير الاتجاه ليخفض الكوريدور بـ 2.25% في اجتماعه يوم 17 أبريل 2025 ولأول مرة منذ أكثر من أربع سنوات.

الكوريدور وأرباح البنوك

بشكل عام، يمكن للبنوك تحقيق مكاسب في بيئة أسعار فائدة منخفضة أو مرتفعة لأن المفهوم الأساسي هو تحقيق هامش ربح في كلتا الحالتين.

لذا، فإن السؤال الآن هو كيف تؤثر أسعار الفائدة المنخفضة أو المرتفعة على البنوك المصرية؟

قبل أن نجيب

 باعتبارها وسيط مالي، تحقق البنوك الأرباح من الفارق بين تكلفة التمويل التي تدفعها لمزودي رأس المال والفائدة التي تجنيها من القروض التي تقدمها للعملاء من الشركات والأفراد. وهناك كذلك مقياس آخر للربحية يسمى هامش صافي الدخل من العائد والذي يقارن صافي الدخل من العائد للبنك بأصوله المدرة للعائد.

ولكي يتمكن البنك من تحقيق الأرباح، عليه أن يُحصّل فائدة من القروض التي يقرضها أكثر من الفائدة التي يدفعها للمودعين.

للتبسيط، لنفترض أن البنك يستقبل الودائع التي يدفع عليها فائدة للمودعين، ثم يمنح القروض التي يجني منها الفائدة من المقترضين. ويكون لدى هذه الودائع (وهي مصدر للتمويل) والقروض (وهي استخدام للتمويل) فترات استحقاق قصيرة أو طويلة الأجل.

والتحدي هنا هو أن البنوك تستطيع تغيير سعر الفائدة على ودائعها أو قروضها قصيرة الأجل سريعا، في حين أن الأمر قد يكون أصعب عند تغيير سعر الفائدة على ودائعها أو قروضها طويلة الأجل.

على سبيل المثال، في ظل سياسة نقدية انكماشية (حيث ترتفع أسعار الفائدة)، سوف تستفيد البنوك إذا تمكنت من توجيه ميزانياتها العمومية على النحو الذي يجعلها أكثر ترجيحاً للقروض قصيرة الأجل بدلاً من القروض طويلة الأجل، وعلى الودائع طويلة الأجل بدلاً من الودائع قصيرة الأجل.

ومن ناحية أخرى، في ظل سياسة نقدية توسعية (حيث تنخفض أسعار الفائدة)، ستستفيد البنوك إذا تمكنت من توجيه ميزانيتها العمومية بطريقة تجعلها أكثر ترجيحاً للقروض طويلة الأجل بدلاً من القروض قصيرة الأجل وعلى الودائع قصيرة الأجل بدلاً من الودائع طويلة الأجل.

أما بالنسبة للمعيار الثاني لقياس الربح، ففي بيئة أسعار فائدة منخفضة، ستجد البنوك في نهاية المطاف أن هامش صافي الدخل من العائد لديها قد عاد إلى طبيعته، لكن البنوك التي ستتضرر بشكل أقل هي تلك التي لديها صافي التزامات قصيرة الأجل وصافي أصول طويلة الأجل.

لذا، لقياس مدى تأثر البنوك المصرية، الآن بعد أن بدأ البنك المركزي المصري في خفض أسعار الفائدة، نحتاج إلى النظر في هيكل الأصول والالتزامات لكل بنك أو ما يعرف باسم "فجوة إعادة تسعير العائد".

وهي الفرق بين الأصول الحساسة لسعر الفائدة والالتزامات الحساسة لسعر الفائدة وتكون الفجوة موجبة عندما تكون الأصول الحساسة لسعر الفائدة أكبر من الالتزامات الحساسة لسعر الفائدة.

وتكون الفجوة سالبة عندما تكون الالتزامات الحساسة لسعر الفائدة أكبر من الأصول الحساسة لسعر الفائدة.

فيما يلي جدول يوضح هيكل فجوة إعادة تسعير العائد للبنوك الـ 12 المقيدة بالبورصة المصرية في 31 ديسمبر 2024 وهي أحدث قوائم مالية سنوية متاحة، مع الأخذ في الاعتبار النقطتين التاليتين:

  1. قد تختلف القوائم المالية المنتهية في 31 مارس 2025 (والتي لم يتم الإعلان عنها كلها حتى تاريخه) عن الوضع بنهاية عام 2024.
  2. تحليل حساسية البنوك لخفض أسعار الفائدة لا يأخذ في اعتباره تغير أي عوامل أخرى مثل ارتفاع حجم الإقراض نتيجة لذلك وهو أمر إيجابي قد يعادل أي تأثير سلبي على ربحية البنوك.

الإجابة

ستجدونها في التشارتات السابقة!

وتبقى نقطتان هامتان نختم بهما ويجب أخذهما في الاعتبار:

  1. من المتوقع أن يتبع البنك المركزي المصري دورة التيسير النقدي تدريجياً من خلال اتخاذ خطوات صغيرة بدلاً من تخفيضات أكبر حجماً وأقل عدداً. لذلك، لا ينبغي للمستثمرين أن يتعودوا عن بيئة أسعار الفائدة المرتفعة حاليًا والتي سوف تعود عاجلاً أو آجلاً إلى مستويات طبيعية أقل.
  2. يستغرق الأمر حوالي 6-9 أشهر حتى تؤثر أسعار الفائدة على القوائم المالية للبنوك. لذلك، لا ينبغي للمستثمرين أن يتوقعوا أن تتضرر الربحية كثيراً في عام 2025، خاصةً إذا أخذنا في الاعتبار تعافي نمو الائتمان (أي حجم الإقراض).

 

(إعداد: عمرو حسين الألفي، تحرير: ياسمين صالح، مراجعة قبل النشر: شيماء حفظي، للتواصل: [email protected])

#تحليلسريع

للاشتراك في تقريرنا الأسبوعي الذي يتضمن تطورات الأخبار الاقتصادية والسياسية، سجل هنا