في يونيو 2025، شهدت أسواق رأس المال العربية تقلبية لافتة في الأداء، نتيجة الصراع الذي اندلع لفترة 12 يوم بين إيران وإسرائيل، والذي أثار مخاوف من اتساع رقعة النزاع في المنطقة.

البورصات العربية

 في الواقع، تأثرت ثقة المستثمرين في الأسابيع الأولى من الشهر في أسواق الخليج والمشرق العربي، حيث سجلت المؤشرات الرئيسية في دول مجلس التعاون الخليجي تراجعات خلال تلك الفترة، وسط تصاعد المخاوف من اضطرابات محتملة في طرق التجارة والبنية التحتية للطاقة، في حين شهدت القطاعات الأكثر تأثراً بالصدمات الجيوسياسية، مثل البنوك والعقارات، تراجعات ملحوظة.

ومع ذلك، فقد ساهم ارتفاع أسعار النفط بنسبة تجاوزت 8% خلال يونيو، نتيجة المخاوف من تراجع الإمدادات، في تخفيف حدة التداعيات، خصوصاً في الاقتصادات المصدرة للنفط، حيث ارتفعت أسهم الطاقة وساعدت على استقرار المؤشرات بشكل عام.

بالتوازي، كانت البورصات في مصر والأردن ولبنان أكثر تأثراً بسبب قربها الجغرافي بشكل خاص، مما أدى إلى زيادة التدفقات الرأسمالية الخارجة بالترافق مع تقلبات أكبر. وعلى الرغم من ذلك، فقد تفادت معظم الأسواق موجات بيع ضخمة، بدعم من تصريحات مطمئنة من الحكومات والبنوك المركزية، وفي بعض الحالات من خلال تدخلات مؤسساتية.

في الواقع، تراجع نشاط المستثمرين الأجانب، في انعكاس لتوجه عام نحو تقليص المخاطر، بينما لعب المستثمرون المحليون دور أكبر في الحفاظ على السيولة.

وبشكل عام، عكس أداء أسواق رأس المال العربية في يونيو توازن دقيق بين تصاعد المخاطر الجيوسياسية والمرتكزات الاقتصادية الكامنة، لاسيما في دول الخليج، ما ساعد بشكل أساسي في تخفيف أثر الأزمة، لتنهي معظم البورصات العربية شهر يونيو على ارتفاعات قوية نسبياً.

في هذا السياق، لا بد من الإشارة إلى أن شهر يوليو من المتوقع أن يشهد استقرار نسبي في الأداء بأقل تقلبية من شهر يونيو، وإن قد تطغى عليه موجة من التفاؤل الحذر مع ترقب للتطورات الجيوسياسية في المنطقة بشكل عام.

تفاصيل أكثر

وفي تفاصيل الأرقام، بلغت القيمة السوقية لأسواق الأسهم العربية 4,220 مليار دولار في نهاية يونيو 2025، بارتفاع شهري نسبته 0.9% مقارنة بنهاية مايو.

ويعزى هذا الارتفاع إلى زيادة في القيمة السوقية لكل من سوق أبوظبي للأوراق المالية بمقدار 26.7 مليار دولار وسوق دبي المالي بمقدار 6.9 مليار دولار، رغم تراجع القيمة السوقية لسوق تداول السعودية المالية بمقدار 21.2 مليار دولار.

بالتوازي، سجلت أسواق الأسهم العربية تداولات متقلبة في معظم الأسواق، حيث ارتفعت قيمة التداول الإجمالية بنسبة 3.5% لتبلغ 75.9 مليار دولار في يونيو.

من ناحية أخرى، تراجع إجمالي حجم التداول إلى 70.1 مليار سهم، بانخفاض شهري نسبته 32.3%، في حين بلغ عدد الصفقات المنفذة 13.3 مليون صفقة خلال يونيو، بتراجع نسبته 5.5% مقارنة بشهر مايو، وذلك في ظل انخفاض نسبته 7.9% في عدد صفقات سوق تداول السعودية، والتي تستحوذ على نحو 70% من إجمالي عدد الصفقات في المنطقة.

تجدر الإشارة إلى أن عطلة عيد الأضحى كانت قد أسهمت في تقليص عدد جلسات التداول خلال النصف الأول من الشهر، ما أدى إلى هذا الانخفاض في أحجام التداول وحركة الأسواق بشكل عام.

أما أسعار الأسهم في الأسواق العربية، فقد سجلت أداء قوي خلال شهر يونيو، إذ ارتفع مؤشر S&P العربي المركب والمصمم لتتبع أداء 11 سوق للأسهم في المنطقة، بنسبة 3.1% ليصل إلى 1,008.4 في نهاية الشهر، مع تحقيق معظم الأسواق العربية مكاسب شهرية، مدعومة بأسواق الخليج، بحيث ارتفع مؤشرMSCI  لدول مجلس التعاون الخليجي بنسبة مماثلة بلغت 3.1% خلال الفترة نفسها، باستثناء بورصة مسقط التي تراجع مؤشرها الرئيسي بنسبة 1.3%.

وفي هذا السياق، تصدرت بورصة الكويت قائمة أفضل الأسواق أداء في دول الخليج خلال شهر يونيو وذلك بارتفاع نسبته 4.2%، تلاها سوق دبي المالي بنسبة 4.1%، في حين سجل سوق أبوظبي للأوراق المالية وبورصة قطر مكاسب بلغت نسبها 3.6% و2.7% على التوالي، بينما ارتفع مؤشر سوق تداول السعودية بنسبة 1.6%.

 من جهة أخرى، كانت بورصة فلسطين الأفضل أداء في المنطقة العربية للشهر الثاني على التوالي، تلتها بورصة بيروت وبورصة عمّان بمكاسب شهرية بلغت 8.2% و6.8% و4.4% على التوالي.


نظرة أعمق على الأسواق

تداول السعودية

تمكنت سوق تداول السعودية، التي تمثل قيمتها السوقية نحو58%  من إجمالي القيمة السوقية للأسواق العربية، من تسجيل ارتفاع بنسبة 1.6% في مؤشرها الرئيسي خلال شهر يونيو والذي تجاوز حاجز 11,000 نقطة، مدعوم بوقف إطلاق النار في المنطقة.

وقد كانت خسائر السوق محدودة وتم احتواؤها سريعاً، في ظل ارتفاع أسعار النفط الذي عزز ثقة المستثمرين في الأسهم المرتبطة بالطاقة، خاصة وأن قطاع الطاقة يستحوذ على ما يقارب من 70% من القيمة السوقية الإجمالية للسوق السعودية، وهو ما ساعد في تعويض التداعيات السلبية لموجة العزوف عن المخاطرة.

 من ناحية أخرى، شهدت السوق الأولية في يونيو إدراج شركتين جديدتين في السوق الرئيسية، وهما شركة طيران فلاي ناس ضمن قطاع النقل، والشركة المتخصصة للخدمات الطبية ضمن قطاع المعدات والخدمات الصحية، وقد لقي الطرحان اهتمام كبير من جانب المستثمرين المحليين والدوليين.

 الجدير بالذكر أن إجمالي الطروحات الأولية على تداول خلال النصف الأول من العام 2025 بلغ ست شركات، جمعت حوالي 2.8 مليار دولار، وكانت شركة فلاي ناس هي الأكبر من حيث الحصيلة، بعد أن جمعت 1.1 مليار دولار، لتسجل بذلك أحد أضخم الاكتتابات العامة في قطاع الطيران على مستوى المنطقة.

الإمارات

جاء سوق دبي المالي كثاني أفضل الأسواق أداء في منطقة دول مجلس التعاون الخليجي خلال شهر يونيو، ليحقق ارتفاع شهري بنسبة 4.1%، وذلك للشهر الثالث على التوالي.

 وقد ساهم هذا الارتفاع في تعزيز أداء المؤشر منذ بداية العام 2025 ليصل إلى 10.6% حتى نهاية يونيو.

أما على صعيد الأداء القطاعي، فقد سجلت ستة من أصل ثمانية مؤشرات قطاعية مكاسب شهرية، في حين تراجع المؤشران المتبقيان. وقد تصدر مؤشر المواد الأساسية قائمة الارتفاعات الشهرية بزيادة ملحوظة بلغت 21.9%، تلاه مؤشر القطاع الصناعي بنسبة 10.8%.

 كما ارتفع مؤشر القطاع المالي بنسبة 4.7%، مدفوع بارتفاعات قوية في أسعار أسهم بعض الشركات الرائدة، مثل شركة اكتتاب القابضة (+26.7%) وأملاك للتمويل (+49.1%).

وبالمثل، سجل مؤشر السوق الرئيسي في سوق أبوظبي للأوراق المالية (FADX15) ارتفاع شهري بنسبة 3.6% خلال يونيو، مدعوم بشكل أساسي بمكاسب في مؤشرات الطاقة، الخدمات المالية، العقارات، والمرافق.

وقد تصدر مؤشر العقارات الأداء القطاعي في سوق أبوظبي للأوراق المالية، بارتفاع شهري نسبته 7.8%، وذلك بعد ارتفاع أسعار أسهم أربع من أصل خمس شركات مدرجة ضمن هذا القطاع.

الكويت وقطر

سجلت بورصة الكويت أفضل أداء بين أسواق دول مجلس التعاون الخليجي خلال شهر يونيو، حيث ارتفع المؤشر العام للسوق بنسبة 4.2% على أساس شهري.

 وعلى صعيد الأداء القطاعي الشهري، تصدر قطاع السلع الاستهلاكية الأساسية بارتفاع نسبته 9.1%، تلاه قطاع العقارات بنسبة 7.7% ثم قطاع البنوك بنسبة 6.2%.

من ناحية أخرى، شهد مؤشر قطاع الصناعات أكبر تراجع شهري بنسبة 8.0%، تلاه مؤشر المواد الأساسية بانخفاض نسبته 6.6%، والسلع الاستهلاكية غير الأساسية بتراجع نسبته 2.4%.

في المقابل، سجلت بورصة قطر مكاسب للشهر الثالث على التوالي في يونيو، حيث ارتفع مؤشرها العام بنسبة 2.7%، ما يعكس استمرار اهتمام المستثمرين عبر مختلف قطاعات السوق.

وقد تصدر مؤشر قطاع التأمين بارتفاع شهري نسبته 5.0%، تلاه مؤشر خدمات النقل بنسبة 3.9%، ومؤشر الاتصالات بنسبة 3.0%. في المقابل، سجل مؤشر العقارات أكبر تراجع شهري بنسبة 1.5%.

(إعداد: فادي قانصو، الأمين العام المساعد ومدير الأبحاث في اتحاد أسواق المال العربية، خبير اقتصادي وأستاذ جامعي، تحرير: شيماء حفظي)

#تحليلسريع

للاشتراك في تقريرنا الأسبوعي الذي يتضمن تطورات الأخبار الاقتصادية والسياسية، سجل هنا